الفنان شرحبيل احمد
أ. د. الفاتح حسين احمد (السودان)
مقدمة:
ظهرت موسيقى الجاز (jazz) في أوائل القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في المجتمعات الأمريكية الأفريقية وخاصة في مدينة نيو اورليانز فى الولايات المتحدة الأمريكية. وهي تطور من موسيقى الراج تايم (Ragtime) ذات اللحن الرخيم القوى مع الإيقاع المنتظم، وموسيقى البلوز (Blues) ذات الطابع الحزين والتي تعتمد على الأسلوب القصصي في سرد الوقائع ووصف حالات القمع والاضطهاد والعنصرية التي يتعرض لها الأمريكيون من أصل أفريقي. وتعتبر موسيقى الراج تايم والبلوز همزة الوصل بين النمط الموسيقي الجاز ثم الروك اند رول (Rock & roll) الذي ظهر في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وانتشر بسرعة في كل أنحاء العالم وسيطرت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين نوع من الأنماط الموسيقية التي تعتمد على ثلاث آلات موسيقية محددة مثل الجيتار والباص جيتار الكهربائي والدرامز وهجين وتداخل ما بين الأساليب الموسيقية التي سبقتها في الانتشار مثل البلوز (Blues) والكانتري (Country Music) والفولك (Folk Music). وتعرف موسيقى الروك اند رول (Rock & roll) كنوع من أنواع الموسيقى الشعبية التي تعتمد على الإيقاع القوى والسريع الراقص المدعوم بقوة الجيتار والباص جيتار الكهربائي، ويعتبر المغنى الأمريكي تشاك بيرى (Chuck Berry) والمغني الفيس بريسلى (Elvis Bresley) وفرقة البيتلز (The Beatles) من اوائل المغنين والفرق التي أسست لأسلوب الروك اند رول وساعدت على انتشاره عالمياً.
موسيقى الجاز فى السودان
عرف السودانييون موسيقى الجاز والروك اند رول والبلوز في فترة الأربعينيات من القرن العشرين من خلال:
عندما نتحدث عن موسيقى الجاز بالسودان لا بد من ربطها بنوعية الآلات المستخدمة فيها وعلى رأسها الجيتار الكهربائي والباص جيتار والدرامز، إذ نجد أن آلة الجيتار، وحتى في فترة الأربعينيات من القرن العشرين، لم تستخدم في الموسيقى السودانية السائدة والتي تسيطر عليها آلة العود والكمان وخاصة في وسط السودان.
وكما هو معروف بأن هنالك تميزاً واضحاً ما بين الثقافة الموسيقية بشمال السودان والثقافة الموسيقية بجنوب السودان، نجد أن شمال السودان تأثر بالثقافة والحضارة العربية بينما نجد جنوب السودان حافظ على ثقافته الأفريقية الأصل بكل عاداتها وطقوسها.
ظهرت آلة الجيتار وتم استخدامها بجنوب السودان منذ بداية الاربعينيات من القرن الماضي لكنها كانت غير معروفة أو مستخدمة بشكل أساسى في الموسيقى التي تمارس بشمال السودان وخاصة في الوسط والتي تسيطر عليه آلات العود والكمان والأكورديون والطبلة والرق والمثلث، أي سيطرة الثقافة العربية وبخاصة المصرية عليها، فلذلك نجد أن آلة الجيتار مع بداية ظهورها في فرقة إذاعة أم درمان أو غيرها من الفرق الأهلية الخاصة، في أواخر النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، لم يكن لها دور أساسي داخل الفرقة الموسيقية بل كانت غير مألوفة لدى الموسيقيين وكانوا يطلقون عليها (عود الخواجات) كما ذكر شرحبيل أحمد.
في عام 1955م ومع بداية التمرد بجنوب السودان تعطلت الدراسة بمدرسة رمبيك الثانوية، وتم تحويل طلابها الى الخرطوم لمواصلة دراستهم، وكان مقرهم ثكنات الجيش الإنجليزى (مدرسة الخرطوم التجارية الآن) ومن ضمن الأنشطة الخاصة بمدرسة رمبيك جمعية الموسيقى التي تأسست منذ أيام دراستهم بمدرسة رمبيك واستمرت في نشاطها حتى بعد تحويلهم إلى الخرطوم إذ كان معظم أعضاء الجمعية يمارسون العزف على الجيتارات.
في هذه الفترة كان الفنان شرحبيل أحمد يعمل رساماً بمجلة الصبيان ويحب الموسيقى والعزف على العود والماندولين ويقلد بهما الأغانى العربية متأثرا بالحان الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وآخرين وكان يمتلك جيتارا هوائيا وكان يقوم بتسوية أوتار جيتاره مثل آلة العود وأحيانا يمارس العزف على الكمان ويشارك بها مع فرقة الإذاعة، ونسبة لمقر عمل شرحبيل أحمد بدار النشر التي كانت مجاورة لسكن الطلاب الجنوبيين المحولين من مدرسة رمبيك، تعرف شرحبيل عليهم وخاصة أعضاء جمعية الموسيقى من الذين يعزفون على الجيتار أمثال إميل عدلان وارثر محمد سعيد والتوم رجب وريتشارد ماكوبي، وتعلم منهم كيفية تسوية الأوتار الصحيحة للجيتار. ونشأت علاقة صداقة بينهم، استفاد منها شرحبيل كثيرا وتطور في عزفه وأصبح يستخدم أسلوب الاكوردات في العزف على الجيتار، وبدأ يؤلف بها أغانيه، والتي تعتمد فى هارمونياتها على الثلاث مركبات الرئيسية الخاصة بكل سلم) مركب الدرجة الأولى والرابعة والخامسة) والمستخدمة في معظم أنواع الموسيقى الأفريقية وموسيقى الروك اند رول.
خلال عامي 1958-1959 بدأ شرحبيل في تكوين فرقة تتكون من آلة الجيتار والتي يقوم بالعزف عليها، وعلى آلة الماندولين (كامل حسين)، الاكورديون (علي نور الجليل)، بجانب الرقص الاستعراضي الذي تقوم به الفرقة بمصاحبة الراقصين حسن سروجى وطيوبة.
عام 1960م تم افتتاح المسرح القومي بأم درمان وكان شرحبيل احمد من ضمن المدعوين للمشاركة في هذا الاحتفال، وهنا قرر شرحبيل بأن يظهر بشكل جديد وهو الغناء بالجيتار والماندولين بمصاحبةً رقص "البانتومايم"، وقدمت المجموعة أغنية حلوة العينين من كلمات ذو النون بشرى وألحان شرحبيل أحمد الذي كان متأثراً في ذلك الوقت بالمغني العالمي هاري بلفونتي، هذه المشاركة وبهذه الاغنية الواحدة لاقت القبول والتصفيق الحار من قبل الجمهور السوداني والاجنبي وسريعا أطلق الجمهور على هذه المجموعة اسم شرحبيل أحمد وفرقته أو فرقة جاز شرحبيل أحمد.
ومن خلال هذا النجاح الذى لاقته المشاركة تحمس شرحبيل أكثر وواصل في تطوير فكرته الجديدة إلى أن أصبحت الفرقة تتكون من آلة الجيتار والباص جيتار والدرامز والساكسفون والاكورديون بالإضافة إلى الرقص الاستعراضي أي على أسلوب ونهج التكوين الموسيقي للفرق الأفريقية ومن خلال هذا التكوين والأسلوب اللحني الجديد والذي انتشر سريعا وسط المجتمع السوداني، أصبحت فرقة شرحبيل أحمد الرائدة بأسلوبها الموسيقي الراقص والمتميز بالألحان الخماسية الخفيفة المألوفة لدى المستمع السوداني. وتكونت مدرسة فنية جديدة يمكن ان نطلق عليها المدرسة الفنية الثالثة تماشيا مع تقسيمات البروفيسور الفاتح الطاهر دياب والذي أطلق على فترة غناء الحقيبة المدرسة الفنية الأولى والغناء المصاحب بالآلات الوترية منذ بداية الثلاثينيات من القرن العشرين بالمدرسة الفنية الثانية، وكلاهما تأثر بالثقافة العربية وخاصة المدرسة الفنية الثانية. أما المدرسة الفنية الثالثة فتميزت عن المدرستين الأولى والثانية، بأنها لم تتأثر بالثقافة العربية، بل التأثير الاقوى هو للثقافة الغربية والأفريقية وكانت أكثر انفتاحا على العالم، وبهذا التميز شكل شرحبيل مدرسة فنية جديدة تضاف لمراحل تطور الغناء والموسيقى بالسودان.
فرقة شرحبيل أحمد في منتصف ستينيات القرن الماضى
بعد نجاح وانتشار فرقة شرحبيل أحمد في أوائل ستينيات القرن العشرين، ظهرت فرق اخرى متأثرة بما تقدمه فرقة شرحبيل أحمد وسارت على نفس التكوين الآلي مستخدمة الجيتار والباص جيتار والدرامز وبعض الات النفخ، مثال فرقة جاز الديوم وفرقة العقارب والرد لاين والنسر وأضواء بحري وفرق أخرى كثيرة مشابهة. بعض الفرق استخدمت تلك الآلات وطوعتها على الخماسية السودانية كما فعل شرحبيل والآخر اتجه إلى تقليد الموسيقى الغربية.
أما فيما يخص تسمية تلك الفرق بالجاز فهذه التسمية أطلقت بشكل عفوي من قبل الجمهور والذى يتابع الافلام السينمائية الغربية والتي جرت العادة، في تلك الحقبة الزمنية، كما ذكرنا سابقا ان تكون هنالك أغنية تُقدم من خلال مشاهد الفيلم لجعله أكثر جاذبية للمتفرج، وعادة ما تكون هذه الفرق معروفة عالميا وتقدم أغاني الجاز وأسلوبه المعروف بالارتجال والمنتشر عالميا ويستخدمون الجيتارات والدرمز وآلات النفخ.
في أول ظهور لفرقة شرحبيل أحمد عند احتفال افتتاح المسرح القومي في عام 1960م، اعتقد البعض بأن ما قدمته فرقة شرحبيل من ألحان جديدة (واستخدام أعضائها لنفس الآلات المستخدمة في فرق الجاز التي شاهدوها في الافلام الغربية) وكذلك الفرق التي ظهرت فيما بعد هي فرق جاز ربطت فقط بين الآلات المستخدمة وليس في الاسلوب اللحني.
مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.
https://www.arabmusicacademy.orgشباط 28, 2023
شباط 28, 2023
شباط 28, 2023
شباط 28, 2023
شباط 28, 2023
شباط 28, 2023
Total Votes: | |
First Vote: | |
Last Vote: |
آذار 01, 2023 Rate: 5.00
شباط 28, 2023 Rate: 0.00
شباط 28, 2023 Rate: 2.00
حزيران 30, 2012 Rate: 5.00
كانون2 03, 2021 Rate: 5.00
كانون2 28, 2021 Rate: 5.00
أيار 07, 2013 Rate: 1.00
أيار 02, 2015 Rate: 1.50
حزيران 30, 2012 Rate: 5.00